الأربعاء، 15 يناير 2014

فلسفة الحياة

                            فلسفة الحياة


إيليا أبو ماضي من كبار شعراء المهجر ، ولد بقرية ( المحيدثة ) بلبنان سنة 1889م وعندما بلغ العاشرة من عمره ، هاجر إلى مصر يطلب فيها حياة طيبة لم يجدها في لبنان واتجه إلى القراءة والتحرير في الصحف وظهرت شاعريته مبكرة ، فأصدر ديوانه الأول ( تذكار الماضي ) سنة 1911 ، وجرى فيه على طريقة البارودي والشعر العربي التقليدي .

ثم هاجر إلى أمريكا سنة 1912 م ومكث بها أربع سنوات لا يقول شعراً ، ولعله كان مشغولاً بتدبير عيشه ، ثم انضم إلى الرابطة القلمية بنيويورك حين تأسست سنة 1920 ، وفي سنة 1929 أصدر مجلة ( السمير ) ثم حولها إلى جريدة يومية ، ونشر سنة 1921 ديوانه ( الجداول ) ، وفي سنة 1940 ديوانه ( الخمائل ) .
وقد أتاحت له هجرته إلى أمريكا ثقافة ودراسة عميقة للحضارة الغربية والعربية وتكونت له منهما شخصية واضحة المعالم ، قوية الملامح ، وهو يصوغ الشعر معبراً عن نفسه وعن المجتمع الذي يعيش فيه ، ويتأمل الحياة وما فيها من صنوف الخير والشر ويعرض ذلك عرضاً صادقاً ، ونجد في شعره كثيراً من النظرات التأملية في الحياة وفي أسرار الوجود والنفس الإنسانية ، توفي سنة 1957 ، وقد نشر ديوانه ( تبر وتراب ) بعد وفاته .


مناسبة القصيدة :

كان إيليا أبو ماضي يشفق على المتشائمين الذين ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود ويعمون عن كل ما تحفل به الحياة من متعة وبهجة ولا يقدرون ما أسبغ الله عليهم من نعم لا تعد ولا تحصى ، وكان يرى أن الكآبة إنما يخلقها الإنسان لنفسه بينما في استطاعته أن يعيش سعيداً ، وهو في هذه القصيدة يدعو إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي أشرك فيه مظاهر الطبيعة المختلفة للاستمتاع بالحياة ونبذ الشكوى والخوف من الموت .



أيّهذا الشّاكي وما بك داءكيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
انّ شرّ الجناة في الأرض نفستتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمىأن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيلمن يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جماللا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مراويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناسعللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيهلا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّقصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابيفمن العار أن تظل جهولا
ما تراها_ والحقل ملك سواهاتخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّعليها ، والصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذحيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى ، وعمرها بعض عامأفتبكي وقد تعيش طويلا؟
فهي فوق الغصون في الفجر تتلوسور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعاتتلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكونصفّقت الغصون حتى تميلا
فاذا ذهّب الأصيل الرّوابيوقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيارعند الهجير ظلاّ ظليلا
وتعلّم حبّ الطلّيعة منهاواترك القال للورى والقيلا
فالذي يتّقي العواذل يلقىكلّ حين في كلّ شخص عذولا
أنت للأرض أولا وأخيراكنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السّماء لحيّفلماذا تراود المستحيلا ؟..
كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّآفة النّجم أن يخاف الأقولا
غاية الورد في الرّياض ذبولكن حكيما واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّفتفيّأ به إلى أن يحولا
وتوقّع ، إذا السّماء اكفهرّتمطرا يحيي السهولا
قل لقوم يستنزفون المآقيهل شفيتم مع البكاء غليلا؟
ما أتينا إلى الحياة لنشقىفأريحوا ، أهل العقول، العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليهأخذته الهموم أخذا وبيلا
كن هزارا في عشّه يتغنّىومع الكبل لا يبالي الكبولا
لا غرابا يطارد الدّود في الأرضويوما في اللّيل يبكي الطّلولا
كن غديرا يسير في الأرض رقراقافيسقي من جانبيه الحقولا
تستحم النّجوم فيه ويلقىكلّ شخص وكلّ شيء مثيلا
لا وعاء يقيّد الماء حتىتستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع الأزهارشمّا وتارة تقبيلا
لا سموما من السّوافي اللّواتيتملأ الأرض في الظّلام عويلا
ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغاباتوالنّهر والرّبى والسّهولا
لا دجى يكره العوالم والنّاسفيلقي على الجميع سدولا
أيّهذا الشّاكي وما بك داءكن جميلا تر الوجود جميلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرجوا من زوارنا الكرام التعليق ...بدون تجريح او سب ...