الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

العلاقة بين الجسم و العقل


العلاقة بين الجسم والعقل



إن العلاقة بين الجسم والعقل وما يترتب على ذلك من أمراض في الإتجاهات الحديثة تتمثل في وجهتي نظر.
فمن جهة هناك من يتقبل المسألة بلا تحفظ، ومن هؤلاء السواد الأعظم من الناس، ومنهم أيضاً وسائل الإعلام ومن يأخذون بكل ما في الطب من جديد دونما تمحيص، ويذهب هذا الفريق في الرأي إلى أن العقل وما يجري فيه هو مصدر الصحة والمرض بالنسبة للجسم.

ومقابل هؤلاء يأتي من جهة أخرى أولئك المتشددون المشككون الذين يتخذون من موضوع العلاقة بالجسم أحد موقفين:
فهم إما يرفضون وجود علاقة بين العوامل النفسية وبين حدوث الأمراض الجسمية معتبرين ذلك نوعاً من أنواع التفكير الراغب المبني على الظن ليس إلا. أو إنهم يتجاهلون مثل هذه العلاقة جملة وتفصيلاً.
إن المقولة التي تقول بتأثير العوامل النفسية في الأمراض الجسمية أو التعجيل في شفائها ليست بالمسألة الجديدة، بل هي قديمة، وتسبق الطب الحديث بأزمان سحيقة.
ولقد اعتقد الناس عبر التاريخ اعتقاداً راسخاً بقوة تأثير العقل وصحته على صحة الجسم، ولقد ربط الأطباء عبر القرون ، بين صحة العقل وصحة الجسم.
لذا لم يعد غريباً علينا تأثير انعكاسات الإحباطات الإنفعالية على صحة الفرد العامة النفسية منها والجسمية، كما يحصل في مواقف معينة مثل: المعاناة من الحرمان، التعرض للاكتئاب، عوامل مشاكل الطلاق، البطالة عن العمل، ولكن هناك عدة أسئلة تفرض نفسها:
1 ـ إن فكرة تأثير العقل على صحة الجسم فكرة قديمة, لكن هل تحمل هذه الفكرة برهاناً في طياتها أم هي مجرد فكرة.
2 ـ هل من المحتمل أن نمرض بسبب تعرضنا للضغط النفسي والقلق والاكتئاب?
لقد كان المعالجون في غابر الزمان يقيّمون علاجهم على أساس عملي ذرائعي مؤداه أن العقل والجسم كليهما متداخلان وأنهما كل لا يتجزأ:
أي أن الاضطرابات الجسمية يمكن أن تنشأ عن مشكلات عقلية ونفسية وأن الاضطرابات العقلية قد تكون انعكاساً لأمراض جسمية.
هذا ما كان يجري آنذاك، لذا كان الأطباء في حينه يجدون ما يشجعهم لا لعلاج النفس وحدها، بل لعلاج النفس والجسم معاً، مستخدمين لهذا الغرض ألفاظاً ملطفة من شأنها التخفيف على عقل المريض ومن ثم التقليل من معاناته النفسية.
لقد كان اليونانيون القدماء يؤكدون في الطب النفسي على أهمية الطاقة العلاجية ألا وهي التطهير أي تطهير نفس المريض مما ترزح تحتها من شوائب وتنقيتها. والآثار المدمرة للصحة في وقتنا الراهن هي: القلق، الإرهاق من العمل، الخوف من فقدان العمل، المعاناة من وحشة الوحدة.
هذه كلها وغيرها هي الآن الشغل الشاغل لوسائل الإعلام التي ما برحت تكرر القول بأن الضغوط النفسية هي مصدر أمراضنا.
والظاهر أن العلاقة القوية بين الحالة العقلية والنفسية من جهة وبين الصحة البدنية من جهة ثانية، تلقى قبولاً متزايداً من لدن الرأي العام الواعي لأهمية الصحة في الحياة.
واليوم هناك تفجير هائل في المعرفة وما تنطوي عليه من بدائل شتى متكاملة في مجال الطب النفسي، وكلها تؤكد على أهمية العلاقة الوثيقة بين العقل والجسم.
وما أكثر الإستشارات التي يطلب فيها أصحابها من المختصين بفنون الطب المختلفة، نصائح تتعلق بمختلف شؤون حياتهم النفسية والإنفعالية والجسمية. والمكتبات الآن حافلة بمئات المطبوعات الخاصة بالكتب الطبية النفسية. ورفوفها مثقلة بآلاف كتب الطب النفسي والجسمي.
ومعظم تلك الكتب المنشورة تتضمن نصائح ذاتية، فتبين لنا كيف يمكن أن نكتسب الصحة أو نحافظ عليها من خلال الإيحاء إلى أنفسنا بأننا محببون، وأننا نتمتع بصحة وعافية، وأننا نستطيع التغلب على فكرة المرض ومن ثم قهره إذا ما داهمنا، وأن السعادة هي درع للوقاية من الأمراض، فمثل هذه الأفكار تغرينا للتشبث بها.
إن العلاقة الوثيقة بين الحالة العقلية والصحة الجسمية هي علاقة لها جذور ضاربة وآثارها راسخة في أدبيات الطب وفي البحوث والدراسات في العالم أجمع.
ولقد تركز الإهتمام في نهاية القرن التاسع عشر على ما أفضى إليه اطِّراد الطب فتمحور التركيز كله على أسباب الأمراض الجسمية كالبكتيريا. والسبب في ذلك يعزى إلى أنه باستطاعه الطب أن يتتبع مواطن البكتيريا، ومكامنها في الجسم وبمقدوره أن يتحرى أماكن اختبائها. أما ما يتصل بالنواحي الفكرية والإنفعالية فهي مسألة معنوية بعيدة عن متناول الحواس، وليست منظورة.
لذا أصبح الإهتمام بالمسائل العقلية بشكل متزايد من شأن المختصين بعلم النفس، بعيداً عن ميدان الطب الجسمي القائم أساساً على المحسوس وحسب.
وبالرغم من ذلك فقد كانت هناك في أواخر القرن التاسع عشر استثناءات بارزة واضحة لهذه القاعدة المذكورة في هذا السياق. ففي عام 1884 مثلاً، نشر الرائد في الطب النفسي البريطاني، دانيال هوك تيوك (d.h.tuke) الطبعة الثانية من كتابه المعروف: إيضاحات حول تأثير العقل على الجسم في حالتي الصحة والمرض. ففي كتابه هذا أكد تيوك أن العقل والجسم متداخلان كأشد ما يكون من تداخل في عملية فسيولوجية بالغة التعقيد.
وبالتالي فإن حالتنا العقلية، تؤثر مباشرة في صحتنا الجسمية والعكس صحيح. وقد تمخضت البحوث التي أجريت في أواخر القرن العشرين، عن نتائج مماثلة لتلك التي ألمحنا إليها.
ولقد كان هناك عبر التاريخ حقائق مهمة كان نصيبها التجاهل والإهمال رغم ما كانت تتمتع به من سند علمي مكين، مثل حقيقة علاقة التدخين بالصحة وما يترتب عليه من أمراض. فهذه الحقيقة تم تشخيصها وتأكيدها منذ أمد بعيد، ولكنها لم تؤخذ على محمل الجد إلاَّ في الآونة الأخيرة. وقد كان الطب قد شخّص حقيقة العلاقة بين التدخين وما ينجم عنه من أمراض وبخاصة مرض سرطان الرئة، منذ زمن طويل قبل أن يتم تأكيد ذلك على نطاق واسع عام 1950 م. ولقد توالت البحوث والدراسات في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وكلها ركزت على الكشف عن العلاقة بين التدخين، وبين سلسلة من الأمراض، منها مثلاً:
1 ـ سرطان الرئة.
2 ـ أمراض القلب.
3 ـ أمراض مزمنة.
وثمة عدد لا يستهان به من الناس، ومن المختصين بالعلوم والأطباء، كل هؤلاء يعتقدون بعلاقة أسباب الأمراض الجسمية بكل من:
1 ـ البكتيريا.
2 ـ ملح الطعام.
3 ـ الكوليستيرول.
4 ـ الفيروسات.
والإعتقاد أن هذا قد يصرفهم أو يستبعد أنظارهم عن حقيقة العلاقة المتينة بين اضطرابات العقل وبين الأمراض الجسمية التي تترتب على هذه الاضطرابات: فما تمخضت عنه البحوث مؤخراً من نتائج تبرهن على أثر الصحة العقلية والنفسية في البنية الجسمية. لذا تبقى الحقيقة القائلة بتماسك العلاقة الأكيدة بين الصحتين العقلية والجسمية ماثلة لا شك في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرجوا من زوارنا الكرام التعليق ...بدون تجريح او سب ...