السبت، 11 مايو 2013

التاريخ يحكي


**الطغاة كالأرقام القياسية، لابد أن تتحطم في يوم من الأيام**

محمد الماغوط 

شاعر سوري





الطاغية الشيطان


كان راسبوتين أبشع الطغاة حتى ذلك الحين ـ وإن لم يكن حاكماـ إلا انه كان يسيطر على حكم روسيا من خلال نفوذه على القيصرة والقيصر، وقد وجد فيهما الأداتين المطاوعتين اللتين يتذرع بهما لتحقيق أطماعه وطغيانه حتى شاع "إن القيصر يحكم روسيا، والقيصرة تحكم القيصر، وراسبوتين يحكم الاثنين" ومن هنا راح الطاغية يخفض و يرفع .. يعزل ويولي.. يذل ويعز، حتى لم يعد في الإمبراطورية الروسية كبير او صغير، قائد أو سياسي يحس بالاطمئنان أو السكينة بإزاء الساحر الرهيب الذي لم يغيره ما نال من حظوة و سيادة فظل على ما كان عليه شاذا قاتلا قذر الهيئة أشعث المنظر 
وكان حتما أن يثير كل هذه كراهية القوم لراسبوتين داخل القصر الإمبراطوري وخارجه، كراهية يذكيها الخوف ويؤجج سعيرها ما يشاع بأن هذا الشيطان الذي تقمص دوره في جلباب راهب يسعى إلى الغدر بروسيا مواليا لأعدائها وإلى خلع القيصر واعتلاء مكانه فكانت ان ثارت النعرة القومية في الصدور وراحت تزيد النار اشتعالا، لكن أحدا لم يكن يجرؤ مع ذلك على مد يده إلى الشيطان بسوء، فقد كان الجميع يرهبونه وكان الاعتقاد السائد أن الرجل محوط بهالة مغناطيسية سحرية تصد عنه السوء وتحميه من كل شر وبلاء 
شخص واحد وهو الأمير يوسوبوف كان يرى ان واجبه يقتضي بأن يقتل الطاغية ولكن لم يعرف أن اغتياله بالأمر السهل إذ كان الإعتقاد يسود الاذهان بان السموم لا تنال منه وأن الرصاص لا يصيبه بأذى 

وكانت شعوذته قد أوقرت في النفوس ان الرجل الرهيب فوق الموت، ومع هذا قد عمد الفتى الشاب إلى جمع نفر من الشباب الذين كانوا يشغلون أسمى مناصب البلاط وأخذوا يرسمون خطتهم في حذر وحرص ودقة حتى اتفق رأيهم إلى دعوةراسبوتين إلى قصر مويكا حيث الخمر موفورة بلا حساب والأطعمة الشهية قد أعدت إلى إثارة شهية الشيطان الذي لا يشبعه شيئ، ولم يكن هذا يتصور أن كل هذه المشتهيات مليئة بالسموم التي أعدت جيدا للقضاء عليه بكميات تكفي لقتل عشرة رجال، وأخذ الأمير يرقب غريمه في قلق، وكم كانت دهشته وهلعه حين تبين أن السموم لم تصبه بأي سوء وهنا كان لابد للأمير أن يندفع لإطلاق الرصاص على الرجل الرهيب، وعندئذ وفقط تحرك الرجل فنهض من مكانه وانطلق يدور في جنبات الغرفة مهتاجا يهاجم الأمير ويتخبط، وقد انبعثت منه خوار كخوار الثور والرصاص ينهمر عليه دون توقف ولم يجد الأمير إلا أن ينهال على الرجل بعصا غليظة ثقيلة حتى قضى عليه ... ثم حمل الجميع جثته وألقوها في النهر .




هتلر الدكتاتور


الطاغية الثاني كان أدولف هتلر ، ديكتاتور ألماني الذي لعب دورا هو اخطر الأدوار في العالم، كان هتلر رجلا عبقريا دون شك، ولكنه كان عبقريا في الشر ، من النوع الذي يتصف بالوحشية والرغبة في سفك الدماء والبربرية الاستبدادية، التي لم يظهر مثيلها من قبل ، ومنذ تولى حكم ألمانيا ادت السلطة المطلقة إلى فساده، لقد قام قبل أن ينتحر بمذبحة قتل فيها عدة ملايين من الأشخاص الأبرياء وأدخل العالم في حرب مدمرة لم يعرف لها مثيل في التاريخ البشري.
وكان بارعا في الفتك بالضحايا يخون أصدقاءه و أعداءه على السواء ويأمر بذبح معارضيه ولا يرغب في إبقائهم على قيد الحياة.
وإذ كان الطاغية الألماني قد نشأ في القاع إلا أنه أصبح أبشع قاتل في القرن العشرين .. لقد تعلم هتلر تمجيد الحرب والفتوحات، وذكر في أحد المناسبات أن أجمل شيئ يستطيع الإنسان أن يقوم به هو إشعال الحروب والغزو ، فالسلام في تعبيره شيئا كريها بالنسبة للبشرية لأنه يفسد الرجال ويجعلهم يركنون إلى النعومة والليونة، وهو لم يأخذ في حسابه الملايين من البشر الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية وهم لا يزلون في ريعان الشباب أو مئات الألوف من الشباب الذين أصيبوا بالعمى و التشويه فهو لم يكن يهتم كثيرا بمثل هذه الأمور لأنه كان يعتقد أن هذه هي سنة الحياة التي يجب أن تكون شديدة وقاسية.
منذ تولي حزبه النازي أمر المستشارية في ألمانيا أخذ يرسم خطوط المستقبل التي تقول ـ عن ألمانيا فوق الجميع وأن الشعب الآري هو أجدر الشعوب بالحياة ـ أعلن في العالم قوله : ـ إنني أحمل رسالة تاريخية وإنني مصمم على تحقيق هذه الرسالة لأن الله قد وكل إلى تنفيذها، لذلك سأحطم كل من وقف في طريقي ... ـ وعلى الطريق كانت دولة محيطة أراد أن يضمها إلى قبضته بالقوة والعنف والتدمير.
وبدأ بتشيكوسلوفاكيا وتبعها ببولندا حيث كانت بداية الحرب العالمية الثانية في أبريل 1939 وأكد هتلر أنه يرغب في إشعال الحرب صائحا في قادته العسكريين :" إغلقوا قلوبكم أمام الشفقة، نفذوا كل أعمالكم بوحشية فإن الإنسان القوي يكون دائما على حق، واعلموا دائما أن الذي يستطيع أن يدير شؤون العالم لا يستطيع ان ينفذ ذلك 
إلا عن طريق القوة فهي خير طريق للنجاح..."
وفي أخر أيام السلم كان هتلر قد أمر بتحرك مليون ونصف مليون جندي في 31 أوت 1939 إلى مواقعهم على الحدود البولندية وبدأ الحرب وأعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على ألمانيا، وانتشرت رائحة الموت في كل مكان من أوربا لتشمل أيضا الدنمارك والنرويج ثم هولندا وبلجيكا، وفي فيفري 1941 كان هتلر قد بدأ يعتقد في قرارة نفسه انه أصبح الفاتح الذي لا يهزم وبدأ يستعد للهجوم على روسيا.
وحدث ما قرره رغم معارضة بعض القادة، إلا أن الشتاء القاسي اضطره إلى التراجع بعد هزائم متوالية وهي ضربة لم يستطع هو ولا قواته أن يبرأ منها بعد ذلك، وأصبح الطريق أمام هتلر الطاغية مؤديا إلى الكارثة ونقطة التحول الكبير التي لم تمنعها اوامره إلى قواده " ممنوع الاستسلام نهائيا، وعلى الجيوش أن تحتفظ بمواقعها إلى آخر رجل فيها، وإلى آخر طلقة معه"
ولكن كان لابد من الانهيار .. وأخذ نجم الطاغية يأفل سريعا، وحين طوقت قوات الغرب وامريكا وروسيا برلين لجأ هتلر إلى سرداب "الرانجستاج" ومعه عشيقته لينتحرا معا، وكانت أخر كلماته في ذلك اليوم التاسع والعشرين من أبريل 1945 " لقد قررت أن لا أقع في أيدي الأعداء الذين يطالبون أن يمثلوا بي أمام الجماهير "
وإختفى الطاغية هتلر ولكن ذكرى الكابوس الذي خلفه العالم ومقتل ملايين الأبرياء من البشر لا تزال باقية ومستمرة حتى الآن .



الدوتشي موسوليني 


الطاغية الثالث بنيتو موسوليني وكما لا بد أن يحدث مع الطغاة والمتجبرين، كانت الحرب العالمية الثانية قد فتحت الجروح المتقيحة على إيطاليا التي إنضمت إلى الألمان فيما سمي بدور المحور، وإذا كان الدوتشي وقيادته قد أوهموا الشعب الايطالي بأنهم يحققون الانتصارات الكبيرة على الحلفاء، فإن الإيطاليين كانوا يدركون مدى الكوارث التي نزلت بإيطاليا وساءتهم نتائج المعارك التي لا تحقق النجاح على يد جيوش الدوتشي، وبدأ الإيطاليون يشعرون بأن الدوتشي أصبح جزءا لا ينفصل عن الظلم والقسوة والهزيمة في كل ميدان نتيجة النظام الفاشي الذي أوجده موسوليني حتى إتجهت البلاد إلى الانهيار والخراب.
وازداد الشعور المعادي للفاشيست في إيطاليا، وكان لابد أن ينتهي الأمر بسقوط الطاغية الفاشي وإمبراطوريته الفاشية بانتهاء عام 1942 ، وتم القبض على الدوتشي واعتقاله في أعلى سجن في العالم "جران سامو" وحين تمكن من الهرب بعد ذلك تابعته لجنة التحرر القومي الثائرة على الفاشيست ومعها هيئة اللجنة السرية التي تضم المتطوعين الأحرار ممن تطوعوا من البلاد المستعمرة الذين عانوا الحكم من الحكم الفاشي ، وأطاح تحالفهم الإمبراطورية الفاشية واعتقلواالدوتشي وقادته، وفي يوم الواحد والعشرين من أبريل عام 1945 حملت الجميع عربات مدرعة وهي تسرع في الطريق إلى ميلانو يقودها عضو اللجنة السرية "والتر أوديسيو " وبأمر منه وقفت المدرعة وأنزل منها الدوتشي و جرازيانيوبادوليووكلارا بيتاتشي صديقة موسوليني التي صحبته إلى يومه الأخير، ووقف الجميع بأمر من أوديسيو وهو يرفع في وجوههم مدفعه الرشاش بع أن كان قد تلقى أمر بإعدام الطاغية ورفاقه، وبعد طلقات عدة من المدفع المصوب إلى صدورهم أنزل بهم جميعا حكم الإعدام ، وجمعت الجثث وألقي بعضها فوق بعض في السيارة التي سارت في وسط الأوحال في طريقها إلى " أزالو" حيث وضعت الجثث أمام الأهالي.
واقترب شابان وأخذا يضربان رأس جثة موسوليني بأقدامهما ولم يتركاه إلى وقد تشوه وجهه تماما، ومع صرخات الجماهير رفعت الجثث من أرجلها إلى أغصان شجرة وانهالت عليها عشرات الأحذية التي لم يكن الحشد يرى فيها سوى وجوه ملطخة بالأوحال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرجوا من زوارنا الكرام التعليق ...بدون تجريح او سب ...